في خضم كل ذلك…هل مازلت تذكرين ؟

 

أجلس وحيدة أرتشف فنجان القهوة المر وأسند رأسي بأحد مرفقي خوفا عليه من السقوط لما يثقله من أفكار…

أبحث في أدراج الذاكرة عن شيء من رائحة شال حنظلة الذي يلف رقبتي فلا أجد.

تسألني زميلتي وقد طال شرودي:”أنعود للمكتب ؟”

أحرك رأسي إيجابا دون أن أنبس بحرف. تثرثر كثيرا ونحن في طريق العودة إلى مقبرتنا تلك.

لطالما كرهت الحسابات لأحلم بالعمل كطبيبة في منظمة أطباء بلا حدود أو أي منظمة أخرى تعنى بإنقاذ المتضررين من ويلات الحروب والكوارث الطبيعية لكن قدري الأحمق ألقى بي في حضن إدارة الأعمال.

تشعر بعدم اهتمامي بما تسرده فتسألني محتجة: “بماذا تفكرين بربك ؟”

– ها ؟؟

– لا يبدو أنك في عالم آخر…سألتك بما تفكرين؟

– هل تظنين أنهم سينظمون مسيرة لمساندة الشعب الفلسطيني غدا ؟

– (تصمت)

– يقولون أنه بعد رفع الرايات المشتركة سيخرج الجميع لمساندة الفلسطينيين في انتفاضتهم هذه…

– (تواصل الغرق في الصمت)

– لا بد وأن العدد سيكون أكبر هذه المرة فالشعوب العربية ولا سيما دول الربيع العربي ذاقت مر الرصاص…

– أفي خضم كل هذه الماسي لازلت تذكرين فلسطين؟

أنت فعلا غريبة

 

لم تكن إجابتها صادمة فالأغلبية الساحقة مشغولة بارتفاع أسعار البنزين والخبز والحليب و…

العيون شاخصة تتابع مال اليمنيين المغدورين بأيدي ما أسموه التحالف العربي مستعيدة عاصفة الصحراء، الآذان تتابع في انتباه خبر طفل مات على أحد شواطئ الدول الأوروبية أثناء محاولة بائسة للبحث عن سقف دافئ لا تطاله صواريخ داعش، والأفواه الفاغرة تغطيها الأيادي المكبلة التي لم تتجرأ على منع “أمير مكبوت” من اغتصاب فتاة في الثالثة عشرة من عمرها بدعوى أنها يزيدية.

يكتب نشطاء المجتمع المدني شعارات منددة….

يطبع البعض صور حنظلة على قمصانهم، يعلقون قلائد تحمل اسم فلسطين، يصافحون ممولي الجمعيات المشبوهين، ويضعون أيديهم في أيدي القتلة المتورطين…

يجتمع “صعاليك الشعر” في حاناتهم القذرة وبعد ان تلعب الخمر برؤوسهم يكتبون قصائد مبتذلة يضنون أنها ستظل خالدة كقصائد درويش…

يخطون على الحيطان العفنة أن القضية ستعيش….

تتالى نشرات الأخبار معلنة عن ارتفاع القتلى، اللاجئين والمهجرين…العاطلين والمعطلين…الذابحين والمذبوحين…

نغير القناة ونتابع في حزن مسلسلا يروي ما حدث في فلسطين…

خادعين وربما مخدوعين برواية “أرقام نحن في صفوف المناضلين”