باشندي…قلب الأسد

بين عين عاهة مستديمة وراء روح الثورة نبت اسمه على قارعة طريق أحد شوارع مدينة القصرين ليتفرع عنه ثمانية وعشرون غصنا أذبله اليأس.

هو عبد القادر قروي أو كما يعرفه الجميع هنا…”باشندي” ‼

لا شيء مثير في قصة كفاحه، طفولة بين الفقر والمدرسة ومسؤولية مبكرة في إعالة عائلته إلى جانب والده. سلطة غائبة دائما في حل مشاكلهم حاضرة باستمرار لتنغص عليهم حياتهم بنظام قمعي مستبد.

10799797_1494999020760221_1459564165_n

لكن ما إن دُفن الخوف في بطون جبال أرض ترشيش والوعود الكاذبة ذرتها الرياح خرج عبد القادر إلى جانب أبناء حيه…حي صغير في مدينة نسيت طويلا وأهملت أطول لتقوم مغيؔرة وجه العالم العربي. جلس بصعوبة كان يحاول إخفاء وجعه بعضة على شفتيه قبل أن يسترسل في الحديث عن يوم الحادثة. وصف المواجهات وكأنها لا شيء فما نعت نفسه بالثائر كما يفعل الأغلبية ولا صوؔر نفسه بطلا أسطوريا بل على العكس استنكر على من حوله تهويل الأمور ونعته بالبطل وحامي الديار. فعبد القادر يرى ما قام به أمرا بسيطا لا يتعدى كونه واجبا ككل الواجبات التي يقوم بها تجاه أحد والديه لكنه يستنكر وبشدة “شعاراتهم الباطلة” التي ولدت بعد الثورة إذ يقول غاضبا :” نحن خرجنا لننسف نظاما…لندق مساميرا في نعش ديكتاتور جثم طويلا على صدورنا…ديكتاتور يدعى بن علي…لم نطالب بمصنع في تالة أو القصرين أو سيدي بوزيد…نحن أردنا أن نطرد طاغية فقط لا غير وأحمد الله كثيرا أننا نجحنا في ذلك”. مفارقة عجيبة هي التي ترتسم على وجهه…حزن مطعم بالرضا أو ربما رضا يزينه حزن عميق يسكن عينيه المتحفزتين للبكاء. تسأله عن وجعه يبتسم ليقول في شبه سخرية :” يوم الوجع ليس يوم الإصابة… يوم الوجع ابتدأ من قبل أن تشرع قوات الأمن في إطلاق النار.” لم يزايد، لم يتهم طبيبا أو ممرضة بالتقصير كمن سبقه ممن تحدثوا عن الامهم. عبد القادر أو “باشندي” يحدثك عن ما أصابه بهدوء…بسهولة…بحسرة المنتمي لأرض تئن تحت حمل الفقر وقلة ذات اليد حتى في أبسط التجهيزات الطبية. “نحن لسنا أبطالا وعدد الجرحى لم يبلغ ألفا ومئتين” هكذا ينتشلك “باشندي” من ذهولك ليواصل ” إن كانوا مدركين أن العدد لم يبلغ ألفا ومئتين فهذه كارثة وإن كانوا لا يعلمون عن ذلك شيئا فهي كارثة أكبر” “أتساءل عن سبب استمرار الحكومات المتتالية على تكرير ذات الأخطاء ؟” وتتعدد الاسئلة مقترنة بالمواقف التي تعرض لها…يسردها عليك فتدرك حينها لماذا يتساءل “هل أنا فعلا تونسي ؟” تدرك حين يحدثك باشندي عن موقفه مع السيد سمير ديلو الذي اتهمه علانية بأنه يمثل لاستقطاب عطف الرأي العام لماذا يتشنج هذا الأخير فجأة وهو يحاول كبح جماح دمعة تريد الفرار من مقلتيه قائلا : “أنا لازلت سجين فترة الثورة…لم أتقدم ولم أتأخر قدر أنملة…الثورة مازالت تسكنني. مستقبلي سرق… شبابي خطف… عمري ذهب هباءا… فلماذا أحيا ؟” وقبل أن تفتح شفتيك المطبقتين يضيف : ” لست يائسا إنما هي نقمة على هذا الوضع البائس…نقمة أخشى أن تتفجر لتخلف كارثة ربما أكون أول ضحاياها. هذه النقمة المرفوقة بحقد كبير تسكن صدور كل جرحى الثورة …تسكن صدور عائلات الشهداء لذلك على الجالسين على الكراسي أن يدركوا ذلك جيدا وأن يحذروه.” لا تجد الكلمات الكافية لتمسح بها عنه بعضا من وجعه ويخرج صوتك كأنك لا تعرفه متسائلا عن الحل فيغيضه السؤال ليجيب : “لا حل سوى القصاص مِن من أطلق علينا الرصاص… لم أخرج أيام الجمر كي اخذ تعويضا فإما قاصصوهم أو اخرجوني من هنا أو اطلقوا عليؔ رصاصة رحمة كي أرتاح.” وينتهي الحوار من تلقاء نفسه لتجد نفسك و”باشندي” أمام قضاء جالس يصدر الحكم ، قضاء واقف يدعى النيابة العمومية وأخير هارب خلفه نظام ديكتاتوري يصدر حكمه ويهرب أو يؤجل القضية إلى أجل غير معلوم كي لا يتم إنتقاده ناسيا حق ذلك الذي تستقر الرصاصة في حوضه فيعيش بيننا شهيدا حيا.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *