شعائر دفن عصفور مجهول

قصة قصيرة كتبت سنة 2008

 

تماما كما في المرة الٲولى

مسجى ٲمامها بعد ٲن ٲثخنته جراح عوسجة جديدة مسمومة الٲشواك… جراح تدفعه عبر دهليز مظلم يدعى الموت

في المرة الٲولى كانت متعبة …تحاور ٲرصفة الزمان بحثا عن مفردات جديدة… مفردات تجعلها سعيدة

صوته جاءها من بعيد…جاءها كتعويذة هندية تبتغي طرد الٲشباح التي تسكن روحها لذلك هرعت ٳليه لتلفه في منديل ٲبيض وتسكنه صدرها

…………………………………………………………………….

تماما كما في المرة الٲولى

ٲنفاسه عميقة ٬ وجهه في حالة استرخاء ٬ زقزقته حادة وجراحه ٲكثر استثخانا من ذي قبل

القناديل المعلقة على بابها المنسي تبعث نورا خافتا يزيد حيرتها مرارة… وقلبها كنهر بلا مياه… نهر من الهواجس تحلم له بقارب نجاة يأخذها بعيدا ٳلى بر السكينة

نهر حفره هو بفراره منها دون سبب

ٲلقى ببصره نحوها…بصر ناحل كئيب…استجداها متألما

كانت ستهب ٳليه كما فعلت ٲول مرة

كانت سترعاه بحماسة المغير التي رعته بها ٲول مرة

لكنها تذكرت كيف نام عاقلا وصحى مجنونا

كيف غاب عنها فجأة ليدع الآلام تملٲ وجهها امتلاء الشراع ريحا

عادت لتذكر ساعات الٳنتظار الطويلة وتجرعت الحيرة الممتزجة بالظلام حتى الثمالة

آه من جحود هذه المخلوقات العجيبة

آه من جحود لا حدود له

صداعها فضيع…بحثت عن رأسها فلم تجده بين كتفيها…فرّ منها هو ٲيضا كما سبق وٲن فرّ عصفورها الصغير

عصفورها التي داوت جراحه بشفتيها

الذي ٲفنت لياليها في التخفيف عنه والسهر على راحته

عصفورها الذي علمته السير…القراءة …والكتابة من جديد ليطير بكل ذلك ٳلى ٲخرى ويهديها ٳياها على طبق من فضة

ٲهداها كل ما علمته بل كل ما حلمت به

كانت الذكريات تفترسها…تهصرها كضبير

حاولت ٲن تنفضها فما قدرت

هي ضحّت…ٲحبّت…وقدمت حياتها لتغتال بخنجر صدئ…خنجر قذر…وما عادت قادرة على معرفة ما تذرفه عيناها…دموع ٲم خيول ؟

استجمعت قواها ونظرت ٳليه بعينيها لا بقلبها فرٲته عاديا…ككل العصافير وكانت تلك النظرة الخط الفاصل بين الموت والحياة فٲردته قتيلا

ٲيها الموت…يا ذروة الآلام…يا كمال الحياة

ها ٲخذت عصفورها المجهول بعيدا…ها ٲقمت له شعائر دفن دون ٲن يموت فعلا

ها بنفس الخنجر الصدئ القذر ترديه قتيلا

ها تسير بها في جنازة تملٲ سماءها رائحة الياسمين التي تعطرت بها يوما له… وٲصوات نواقيس كانا يخرسانها معا كي لا يدنسا حلاوة الحب بشجنها

ها تسير في جنازة حبهما الموءود…بل حبها لعصفور مجهول لا يعرف سوى الجحود

في خضم كل ذلك…هل مازلت تذكرين ؟

 

أجلس وحيدة أرتشف فنجان القهوة المر وأسند رأسي بأحد مرفقي خوفا عليه من السقوط لما يثقله من أفكار…

أبحث في أدراج الذاكرة عن شيء من رائحة شال حنظلة الذي يلف رقبتي فلا أجد.

تسألني زميلتي وقد طال شرودي:”أنعود للمكتب ؟”

أحرك رأسي إيجابا دون أن أنبس بحرف. تثرثر كثيرا ونحن في طريق العودة إلى مقبرتنا تلك.

لطالما كرهت الحسابات لأحلم بالعمل كطبيبة في منظمة أطباء بلا حدود أو أي منظمة أخرى تعنى بإنقاذ المتضررين من ويلات الحروب والكوارث الطبيعية لكن قدري الأحمق ألقى بي في حضن إدارة الأعمال.

تشعر بعدم اهتمامي بما تسرده فتسألني محتجة: “بماذا تفكرين بربك ؟”

– ها ؟؟

– لا يبدو أنك في عالم آخر…سألتك بما تفكرين؟

– هل تظنين أنهم سينظمون مسيرة لمساندة الشعب الفلسطيني غدا ؟

– (تصمت)

– يقولون أنه بعد رفع الرايات المشتركة سيخرج الجميع لمساندة الفلسطينيين في انتفاضتهم هذه…

– (تواصل الغرق في الصمت)

– لا بد وأن العدد سيكون أكبر هذه المرة فالشعوب العربية ولا سيما دول الربيع العربي ذاقت مر الرصاص…

– أفي خضم كل هذه الماسي لازلت تذكرين فلسطين؟

أنت فعلا غريبة

 

لم تكن إجابتها صادمة فالأغلبية الساحقة مشغولة بارتفاع أسعار البنزين والخبز والحليب و…

العيون شاخصة تتابع مال اليمنيين المغدورين بأيدي ما أسموه التحالف العربي مستعيدة عاصفة الصحراء، الآذان تتابع في انتباه خبر طفل مات على أحد شواطئ الدول الأوروبية أثناء محاولة بائسة للبحث عن سقف دافئ لا تطاله صواريخ داعش، والأفواه الفاغرة تغطيها الأيادي المكبلة التي لم تتجرأ على منع “أمير مكبوت” من اغتصاب فتاة في الثالثة عشرة من عمرها بدعوى أنها يزيدية.

يكتب نشطاء المجتمع المدني شعارات منددة….

يطبع البعض صور حنظلة على قمصانهم، يعلقون قلائد تحمل اسم فلسطين، يصافحون ممولي الجمعيات المشبوهين، ويضعون أيديهم في أيدي القتلة المتورطين…

يجتمع “صعاليك الشعر” في حاناتهم القذرة وبعد ان تلعب الخمر برؤوسهم يكتبون قصائد مبتذلة يضنون أنها ستظل خالدة كقصائد درويش…

يخطون على الحيطان العفنة أن القضية ستعيش….

تتالى نشرات الأخبار معلنة عن ارتفاع القتلى، اللاجئين والمهجرين…العاطلين والمعطلين…الذابحين والمذبوحين…

نغير القناة ونتابع في حزن مسلسلا يروي ما حدث في فلسطين…

خادعين وربما مخدوعين برواية “أرقام نحن في صفوف المناضلين”

باشندي…قلب الأسد

بين عين عاهة مستديمة وراء روح الثورة نبت اسمه على قارعة طريق أحد شوارع مدينة القصرين ليتفرع عنه ثمانية وعشرون غصنا أذبله اليأس.

هو عبد القادر قروي أو كما يعرفه الجميع هنا…”باشندي” ‼

لا شيء مثير في قصة كفاحه، طفولة بين الفقر والمدرسة ومسؤولية مبكرة في إعالة عائلته إلى جانب والده. سلطة غائبة دائما في حل مشاكلهم حاضرة باستمرار لتنغص عليهم حياتهم بنظام قمعي مستبد. Continue reading

على رصيف الحقيقة

10567835_744495995604068_412465320_o
كنا عائدين من ٲحد ٲوكار الشعراء المشبوهة نتفرّس في من حولنا علّنا نجد وجوهنا الضائعة…علّنا نخرج من نفق القصيدة دون مساعدة قطر٬ السعودية ٬ وٲمريكا…
كان يسير ٳلى جانبي مطرقا متجاهلا العطب الذي ٲصاب مخيلته وتاريخه في آن واحد محاولا تناسي الجرذ الذي ٲرّقه سنوات عدّة والمسمار الٲعوج الذي حاول تقويمه فما استطاع لذلك سبيلا. Continue reading